وسط اللوحات الرخامية التي تعتلي وتجاور بوابات المقابر في منطقة البساتين، استغل «عشري جابر» جزءاً من رصيف الشارع الرئيسي ورص فيه لوحات تختلف موضوعاتها تماماً عما حولها، وتلفت أنظار جميع المارة سواء من سكان البساتين أو زوار مقابرها.
لوحات عشري عبارة عن رسومات وتصميمات دقيقة مصنوعة من الأحجار الفرعونية التي يحصل عليها من جبال السويس والعين السخنة، وقد استطاع أن يصنع منها تحفاً فنية مرصوصة علي خلفية لا تزيد عن مجرد مقبرة وتكون في مجملها معرضاً يشغل مسافة محدودة علي رصيف، يرص فيها عشري كل معروضاته والمواد الخام التي يستخدمها.
وسط الهدوء الذي يحيط بالمنطقة تسمع بين وقت وآخر طرقات المعلم عشري - وحوله صبيانه - وهو يحفر بأدواته البسيطة فراغات دقيقة فوق الصخور ويعيد تشكيلها وتجميعها مع أنواع أخري من الزلط البطرس والبازلت والعباسية ودم الغزال والجرانيت إلي جانب مواد أخري مثل الأسمنت والخشب والطوب الحراري وماء النار التي يطلي بها خاماته.
لم يختر عشري مقابر البساتين بشكل عشوائي، بل كان حريصاً عليها لعدة أسباب، أهمها - حسب تأكيده - أنها قريبة من منطقة «شق التعبان» المتخصصة في هذا النوع من المنتجات الفنية، فضلاً عن كونه من أبناء المنطقة، وكل العاملين معه من سكانها، كما أن هدوء المكان يساعده علي الإبداع وابتكار تصميمات جديدة علي السوق.
واعتاد العشري أن يزور بين يوم وآخر منطقة ترب اليهود، التي تعتبر موطناً أصلياً للحرفيين الذين يعملون في «الحجر الفرعوني»، ومن هناك يشتري المواد الخام التي يستخدمها بسعر أرخص، حيث انتشار عدد كبير من الورش ومصانع تقطيع الصخور.
وأشار «العشري» إلي أنه لا يجيد القراءة والكتابة ومع ذلك يرسم تصميمات دقيقة بـ«فتات الصخور»، تعتمد في الأساس علي خبرته الطويلة في هذه المهنة، حيث إنه منذ نزوله من سوهاج إلي القاهرة وهو يمتهن هذا العمل الذي بدأ فيه صبياً عند «المعلمين الكبار»، ثم تحول إلي محترف يعلم «صبيانه» أصحاب المؤهلات كيفية تحويل قطع الصخور الجامدة والمواد الخام الصلبة إلي تحف فنية تزين بها أسوار الفيلات والقصور، ورغم هدوء المنطقة وبعدها عن الزحام فإنه يستفيد من زوار المقابر كزبائن له في بعض الأحيان، إلي جانب زبائنه الأغنياء الذين يأتون له خصيصاً.